الثلاثاء، 22 يناير 2013

ظواهـــــــــــــــر

يوم شتوي بارد يمر  كغيره من الأيام .... ماذا أفعل ؟
لا شئ سوى الجلوس على كرسي خشبي في حديقة المدينة أرتشف السيجارة تلو الأخرى ..في محاولة للكسر الوقت و تجسيد الفراغ .. يوم روتيني ممل نفس الوجوه .. نفس المكان و نفس الزمان من كل يوم .
أجلس بالساعات و أهيم في خيالي أرسم الأوهام .. نعم الأوهام هذا ما تبقى لي .. لا دراسة ولا عمل لا شئ
تارة أتشاجر مع ذباب وجهي و تارة أخرى أتجادل مع قدّاحتي  التي ملّت بدورها من الإشعال  ... و حين  أفرَغُ من هذا وذاك
لا يتبقى لي سوى مراقبة الناس و التذمر من أفعالهم .. فها هي المرأة العجوز تجلس على الأرض متلحفة بعباءتها المهترئة تحاول شحت قوتِ يومها من الناس .
كل يوم تلبس نفس الثياب ..... تجلس في نفس المكان ..حتى إنها تردد نفس العبارات لإستجلاب عطف المارّة ...
و هذا الشاب يبدو إنه ميسور الحال ..كل يوم يأتي  في نهاية اليوم يكلم العجوز فتنهضُ من مكانها  وتقف معه بقرب الشجرة ربما يعطيها مبلغاً كبيرا  .... بعد رحيله تلملم العجوز نفسها وتغادر المكان وهي حزينة ......
لماذا الحُزن ...ألم تحصل على مرادها من التسوَل .... لا تكون حزينة  بهذا القدر عندما تأتي في الصباح  حتى عندما تحاول إستعطاف الناس .. لا تكون بهذا القدر من الحزن
كفى ..... كفى  ..كفاك تربصاً بأحوال الناس ..ما شأنك و شأنها ؟؟ حزينة أم سعيدة ؟؟
على الأقل  هي طاعنة في السن لديها العذر أن تتسول لا تقوى على العمل  ...
أما انت شاب في ريعان شبابك  .. ولا تفعل شئ سوى إستجداء والدتك لتعطيك بعض الدنانير ثمناً لعلبة سجائرك وكل يوم تسمع منها التوبيخ ..
اليوم التالي
نفس المكان ونفس الزمان تناولتُ طعام الإفطار  وخرجت لمضجعي في الحديقة .. نعم  مضجعي لأإنه لا يتجرأ أحد أن يجلس فيه من كثر ما يملاء المكان أعقاب السجائر
نفس المشاهد نفس المارّة .. وهاهي نفس العجوز تبدأ يومها في دوامها في مهنة التسوّل .. السيجارة تلو الأخرى تنطفئ واحدة فتشعل أختها .. تراكمت سحابة رمادية فوق رأسي من الدّخان ..
أتى الشاب نفسه للعجوز في نهاية دوامها .. و كالعادة يقفان تحت الشجرة ثم يتركها و يذهب في طريق و هي  تَنفضُ الغبار من عليها وتذهب في طريقها يغمرها الحزن
الشاب لا يبدو بهذا الثراء ليتصدَق كل يوم على هذه العجوز ..ثم لو إنه كذلك لماذا لا يقنعها بالعدول عن التسوّل ويعطيها المعلوم كل يوم .. و بعد كل هذا لماذا تبدأ عليها علامات الحزن كلما يتركها هذا الشاب
لا بد أن أعرف سأذهب و أحدث العجوز لأعرف ما السّر وراء كل هذا ؟
أنا : السلام عليكم
العجوز : وعليك السلام يا ولدي
أنا: كيف حالك يا حاجّة ؟
العجوز : الحمد لله
أنا : أريد أن أسألكِ شيئاً لو سمحتِ
العجوز : ماذا تريد ؟
أنا : كل يوم يأتيك هذا الشاب ليعطيك مبلغاً من المال و يذهب في حال سبيله .. إذا لماذا تتسولين ؟؟
لماذا لا تبقيِ في المنزل  ..  و يأتيك به في المنزل ..أليس أفضل من تجلسي  في البرد  و تتكبدي عناء الرفض من الناس ...  ناهيك عن الذُل و المهانة  جراء فعل ذلك
ضحكت العجوز ثم إنقلب وجهها و إعترت ملامح الحزن عليه ... ثم تنهدت وقالت :
يا ولدي قصتي لو إستمع إليها الحجر لأبكته . .. ذاك الشاب الذي يأتيني كل يوم هو ولدي . يبلغ من العمر 21 عاماً لا يدرس و لا يشتغل و لا يفعل شيئاً  ينام حتى العصر ثم يأتيني هنا ليأخذ مني ما جنيته من التسوًل ليخرج مع أصدقائه ولا يعود حتى أخر الليل ... ويترك لي دراهم حتى أشترى رغيف خبز لأخواته ..فكما ترى أن زوجي متوفي و لدي ولد و أربعة بنات .. و كلهن صغيرات في السن .. و خفتُ من أن أرسلهن للعمل أن يحدث لهن مكروه .. فأخرج أتسول كل يوم لأحضر لهن ما يأكلون
وقفتُ متسمراً في مكاني  و الذهول يغطي تعابير وجهي ... و كانت قصة العجوز كالصاعقة تضرب دماغي وتوقظني من عالم الأوهام ... هي عجوز و أنظر ماذا فعلت لبناتها ؟؟
و أندب حالي الذي ليس أفضل حالاً من ولدها المستهتر ..الذي رمى عبء المسؤلية على كاهلها الضعيف ..فلم تجد باب رزق سوى التسوّل
العجوز . يا ولدي لا تحكم على ما تراه عيناك فليس كله يظهر معنى الحقيقة .. و أحمَد الله على نعمة الصحة  و حاول أن لا تفعل بوالدتك مثل ما يفعل ولدي بي

هناك 4 تعليقات:

آمنة الواعر يقول...

جميل سردك للقصة ..فهل هي واقعية ؟؟

Unknown يقول...

هي قصة تحاكي الواقع بشكل كبير

غير معرف يقول...

اعجبني :) القصه تحكي عن واقع نعيشه والواحد ياخد عضه منها ان مش كل شي ياخده بالمظاهر ^^ saja

Unknown يقول...

شكرا جزيلا سجوو ... أتشرف بمرورك دائما